السبت، 17 يوليو 2021

كل ما تريد معرفته عن مفهوم النسبية


تقوم الأطروحات العلمانية على ثلاث دعائم :

·     في المجال المعرفي : نسبية الحقائق ( السفسطائية ).

·     في المجال السلوكي/ الأخلاقي : اللذة ( الأبيقورية ) .

·     في مجال تنظيم السلوك الجماعي: الديموقراطية .



في هذا المقال سنستعرض موضوع النسبية 

يتكون المقال من جزئين :-

الجزء الأول : المقدمة

·   ما تعريف النسبية ؟

·   ما آثار النسبية ؟ 

·  كيف انتشرت فكرة النسبية في المجتمعات المعاصرة ؟

·  كيف وظفت النسبية في العلاقات السياسية الاجتماعية ؟

·   من الفئات التي تطبق النسبية ؟

·     ما مصطلحات النسبية الشائعة ؟


الجزء الثاني : استعراض أدلة النسبويين وردها

·   كيف نشأت النسبية فلسفيًا ؟

·   هل تخالف فكرة النسبية أوليات التفكير ؟

·   هل النسبية متناقضة ؟

·   هل توجد أمثلة لحقائق نسبية يتفق عليها الجميع ؟

·    هل توجد أمثلة لحقائق يرفضها الجميع ؟

·    هل النسبية شكل من أشكال الوسواس القهري ؟


الجزء الثالث : شخصيات رفضت النسبية 



تعريف النسبية : 

النسبية تعني نفي وجود سبب للمعرفة الموضوعية.

فالنسبوي يقول الآتي " : جميع اعتقادات الإنسان منشؤها أمور تتعلق في نفس الإنسان مثل ميوله ورغباته وتربيته ومجتمعه 
وبما أن هذه العوامل تختلف من شخص لآخر , وبما أن هذه العوامل غير ثابتة إذن يلزم عنها أن الحقيقة غير ثابتة ومتغيرة
وهذا يعني أنه لا يوجد اعتقاد مطلق الصواب في كل مكان وكل زمان.

مثال على ذلك : اعتقاداتُ شخص يعيش في المجتمع الهندي تختلف عن اعتقادات شخص يعيش في المجتمع الصيني ؛ حيث كلا المجتمعين لديه أديان مختلفة ولغات مختلفة، وطريقة طعام مختلفة ، وتنشئة مختلفة.فتؤثر كل هذه العوامل فيما يعتقده الصيني والهندي.

لذلك يقال عن الحقيقة النسبية إنها:

·                      في قبال الحقيقة المطلقة .

·                     وتقال النسبية كحالة منافية لليقين.

·                     وتقال النسبية كحالة شكوكية يمارس صاحبها شكًا لانهائيًا .



آثار النسبية : 

أ - على مستوى العلوم :

·    تراجع الاهتمام بعلم المنطق لأنه أصلًا لايوجد معيار لإدراك الصواب من الخطأ.

·   تراجع الاهتمام بعلم الفلسفة واستعراضها أنها مجرد ثرثرة تاريخية فاقدة لمنهج      منضبط في تحقيق مسائلها.

·  تراجع الاهتمام بالأديان وبمسألة الوجود الإلهي لأننا لا نستطيع إثباتها، والأديان      مجرد وجهات نظر لأصحاب في تلك الحقب التاريخية.

·  تراجع الاهتمام بعلم الأخلاق؛لأن النسبية تزعم بأن مفاهيم مثل العدالة والخير     والشر لا يمكن التيّقن من صحتها أو تحديد معناها.

·   تراجع الاهتمام بعلم الجمال؛ فما عاد الوسط الفني لديه ضوابط للتمييز بين           الإباحية والفن، وفقد الضابطة للتفاضل بين جودة الأعمال الفنية .



ب – على مستوى المناهج التحقيقية : 

·  هيمنة المناهج الوصفية على المناهج المعيارية في العلوم الإنسانية. 


ج – على مستوى التعليم الاكاديمي :

 
تحولت العملية التعليمية إلى عملية تلقينية، عمادها التصديق بسبب ثقة الطالب بشخص القائل وعظمته في نفسه، فيسمع : "  إن فلانًا الفيلسوف قلب المباحث الفلسفية رأسًا على عقب ( اوووف )، وكان هذا الفيلسوف لحظة تاريخية فصلت الفلسفة ؛ ما قبله وما بعده ( اوف اوف اوف )،وأن جميع الفلاسفة وقفوا لهذا الفيلسوف وقفة الإعجاب والإجلال .. "


د - على مستوى المجتمع :

السلوك الإنساني هو فعل لأجل تحقيق غاية ما،وتحديد هذه الغاية متعلق بالإدراك، والإدراك قد يكون صحيحًا وقد لا يكون.
أما في النظرة النسبوية، لا يوجد طريق لضمان صحة الإدراك، فيلزم عنه عدم وجود طريق لتمييز الأفعال الصحيحة والخاطئة؛ لذلك اختُرعَ مسمى " الحرية الشخصية "، وهي أفعال محترمة في نظر النسبوي؛لأنه لا يمتلك معرفة مبادئها الإدراكية مثل : قتل الإنسان لنفسه (الانتحار) ، طلب الإنسان للقتل (الموت الرحيم) ، قتل الإنسان لطفله (الإجهاض) ، المخدرات ، الخمور، القمار، الدعارة، الشذوذ الجنسي، ربط السعادة بالمال (الرأسمالية) 

انتشار النسبية في المجتمعات المعاصرة :

بعد التأسيس لهذه النظرية الفلسفية، انتقلت من الساحة الفلسفية وصارت ضمن مسلمات مجموعة من الباحثين في العلوم المختلفة، أخذًا بها دون تحقيق وتدقيق، بل بالتقليد والتبعية، فطبقوها على موضوعات علمية مختلفة، فأخذها عامة الناس أيضًا بالتقليد والتبعية لأقوال الغربيين (العظماء! ) ،و أصحاب الحضارة والقوة ، و من خلال الأكاديميات والإعلام , مع خداع الجميع بأن هذه النظرة الفلسفية ليست من مختصات مدرسة فلسفية معينة، بل هذا آخر ما وصل إليه العقل الفسلفي الغربي بكل مدارسه !

ومن الأمثلة على التطبيقات النسبوية في المجالات العلمية :

أ -  الهرمونوطيقا : وهي فكرة قائلة بأن قراءتك للنص تتأثر بخلفيتك الثقافية المحدودتين بزمانك ومكانك .
لذلك لا يوجد طريقة واحدة نفهم فيها النصوص، بل هي تتعدد بتعدد الأشخاص، وكل هذه القراءات صحيحة ما لم تخالف مبادئ الليبرالية، و ما أطلقوا عليه بـ" ميثاق حقوق الانسان ".

 على نحو آخر هو يعامل النصوص كأنها غير موجودة !
 فيخترع دلالات من عنده ليُسقطها على النصوص ، و يزور معناها حتى تتوافق مع مبادئ الليبرالية !

ب - استغلال فيزياء الكم : وكعادة الناس في تصديق كل ما يقع تحت كلمة " العلم " فهم سيصدقون أي معتوه يدّعي أن النقيضين يجتمعان، أو سيصدقون بأنهم غير موجودين؛لأن هناك شخصًا غبيًّا ادَّعى أن العلم أثبتَ بأنك غير موجود أصلًا , فحين يقول هذا الغبي: إني فيزيائي، يُزال عن كلامه صفة الغباء ويتحول إلى علم وتطور !

ج - إعادة كتابة تاريخ العلوم : بمسلمة نسبوية كما حدث مع تاريخ الفلسفة ، حيث تتحول الفلسفة لمجرد آراء تتعلق بأصحابها الذين تأثروا بمجتمعاتهم وأمزجتهم، لا وفق استخدام المعايير المنطقية في الاستدلال أو عدم استخدامها.

د - فلسفة العلوم : الادّعاء بأن المعرفة قائمة على الاستقراء، وبما أنك لا تستطيع استقراء كل الجزئيات، فمعرفتك ستبقى متغيرة.(وهي نظرية مدرسة فلسفية تسمى الوضعية او العلموية )

وهذا خلط بين حقيقة التجربة وحقيقة الاستقراء. 
فالاستقراء بالمفهوم المتداول هو عملية حسية بسيطة فقط. 
بينما التجربة  هي عملية حسية تفصيلية اختبارية مقيدة بشرط ذهني لاكتشاف علاقة صفة ما بالنسبة إلى محسوس ما ، مما يجعل الباحث يتحقق ويختبر المحسوس بمجموعة احتمالات عقلية.

مثال: شخص يعمل في جهة خاصة بإطفاء الحرائق، يُكلف باتخاذ قرار لاستخدام نوع جديد من عبوات الغاز في المطاعم ، فكيف سيعرف مدى أمان هذه العبوات الجديدة ؟
هل سيقوم بالاستقراء؟ أي يجري عملية حسابية: كم جهة  استخدمت هذه العبوة في دول أخرى؟ ويحسب معدل حدوث الانفجارات 
أم سيقوم بالتجربة؛أي فحص الغاز وعبوته والعوامل التي قد تهدد سلامته ومحاولة تجربة ذلك، ثم مقاربة النتيجة لبيئة المطاعم في دولته ؟

في حالة الاستقراء لن يستطيع معرفة مدى صلاحية هذا الغاز،لأنه حدد بحثه في نطاق زمني لا يكشف بالضرورة عن المشاكل الصناعية في الغاز، حتى إن وجدت حوادث لن يعرف كيف حدثت، هل بسبب حرارة المكان أم لأسباب أخرى؟!

بينما في حالة التجربة سيكتشف العوامل المؤثرة، ويطابقها مع البيئة التي لديه، ويخرج بمجموعة اشتراطات لصلاحية المنتج واستخدامه. 

هـ – في العلوم السياسية والتأكيد أن العلمانية و الليبرالية قمة ما يصل إليه الإنسان ! 

لذلك تجد مهما ادّعى الليبرالي بأن للآخرين حرية في التفكير والاعتقاد، فهو مرغم بإقناعه بقيم الليبرالية و مفاهيمها عبر التعليم والإعلام، حتى يضمن في عملية الانتخابات أن يختار المرشح الأقرب للنموذج الليبرالي، و إلا انتفى الغرض من وجود النظام الليبرالي برمته!

يقول الدكتور عزمي بشارة في محاضرة بعنوان الانتقال الديمقراطي :" الدراسات الديموقراطية منذ ما قبل نظريات التحديث تعترف بغائيتها يعني تقول بأن هدفنا هو الوصول إلى الديموقراطية ، وهذا لا يقلل من علمية أي علم، العلم لا يقاس يحسب أو ينتقد بغايات العالم و أهدافه، و إنما يقاس بماذا ؟ .. لا عيب ولا ضرر أن العلوم الاجتماعية تسعى إلى غايات معينة  كما أن العلوم الطبيعية تسعى إلى غايات معينة في النهاية . العلم لا يقاس بحياديته إنما بموضوعيته .. الموضوعية ليست بالضرورة حيادًا ولا الانحياز بالضرورة هو غير موضوعي , قد تكون منحازًا لقضية و موضوعي في أبحاثك.  


توظيف النسبية على المستوى السلوكي  :

بعد فراغهم من التسليم بصحة النسبية ادّعوا أنها وسيلة لتحقيق التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، وسميت هذه الممارسة بـ " التسامح " و " ذم احتكار الحقيقة " و " التواضع المعرفي "، وادّعوا أن الفضيلة تقتضي ترك العامة دون فرض أي اعتقاد عليهم، ودون التدخل في تغيير عقائدهم، ومن الأفضل أن يستمتع الناس في يومهم، وتركهم في جهلهم! 
ومن الملفت أن أصحاب هذه الدعاوى هم أكثر من تراهم يحاولون تغيير أفكار الآخرين، فالدعوة لما يسمونه بالتسامح والتواضع المعرفي وترك الخلق للخالق كلها تدخل في أفكار الناس وأديانهم ! 
فلو أراد مثلًا أحد الآباء منع ابنه من تعاطي الحشيش، و أنه يفعل ذلك من منطلقات دينية، سيقف الليبرالي في وجهه ويتهم الأب بأنه ينتهك الحرية الشخصية لابنه، وهو في هذه الحالة يفرض على الأب كيف ينبغي له أن يتدين. 
ومثال آخر:جندي في دولة ليبرالية يمتنع من مهاجمة دولة ما لأسباب دينية سيتم معاقبته أيضا لمخالفته الأوامر، فهنا الليبرالي يفرض على المتدين كيف ينبغي له أن يتدين! 


الفئات التي تتبنى النسبية وتطبقها:

·                     العلماني 

·                     الليبرالي

·                     النسوية 

·                     الحداثوي

·                     التنوير


عناوين مستخدمة :

·                     إعادة قراءة التراث (يقصد إعادة قراءته من منطلق نسبوي )

·                     تجديد الخطاب (يقصد تجديد التراث من منطلق نسبوي )

·                     تفكيك الخطاب (يقصد تجديد التراث من منطلق نسبوي )

·                     الأنسنة : (هو إخضاع جميع الظواهر الفلسفية والدينية والقوانين بمنطلق                            الشخصية النسبوية، وسميت هذه العملية بالأنسنة نسبة إلى لفظ                             الإنسان، ولكن تعريف الإنسان هو من منطلقات نسبوية).




الجزء الثاني من المقالة : الدعائم التي قامت عليها النسبية 



1 - النسبية قامت على مخالفة أوليات عقلية  :


يحكم الإنسان على الأشياء من خلال نسبة معنى إلى معنى آخر، فيسمى المعنى الذي نريد أن نحكم عليه بـ " الموضوع " ، ويسمى المعنى الآخر الذي نريد أن نرى هل يتصف به " الموضوع " أو لا يتصف به بمصطلح " المحمول " أي ما يحمل على الموضوع .
فمثلا:الحرية قبيحة
فالموضوع: الحرية 
والمحمول: صفة القبح.
وما نقول إنه حقيقة أي أن نسبة المحمول للموضوع نسبة صادقة وصحيحة 

ما أنواع العلاقة بين الموضوع والمحمول ؟

1 - علاقة ضرورية : حيث إن المحمول لا ينفك عن الموضوع ، مثال: الأربعة نصف الثمانية.

2 - علاقة أكثرية : أي أن المحمول يكون للموضوع بقيد، وهو إذا لم تطرأ عليه الموانع، مثال: الإنسان قادر على الحركة (بعض الإصابات قد تمنع من الحركة).

3 - علاقة متساوية : أي أن المحمول بالنسبة للموضوع قد يكون، وقد لا يكون، مثال: حركة اليد إلى الأعلى، فاليد يمكن أن ترتفع، ويمكن ألا ترتفع.

- 4
علاقة أقلية : أي أن المحمول بالنسبة للموضوع نادرالثبوت، مثال: إيجاد مبلغ مالي ضخم في الصحراء .

5 -علاقة ممتنعة : أي أن المحمول بالنسبة للموضوع لا يمكن ثبوته، مثال: أن تكون الأربعة هي الخمسة، أو أن يكون والدك هو ابنك.

فالنسبية تعني عدم وجود سبب يصحح نسبة المحمول للموضوع، أن أي محمول يمكن أن يكون لأي موضوع بمجرد أن يقوم شخص ما بالحكم بذلك، تمامًا كما يفعل أي جاهل و أي مجنون، فالممتنع عنده ضروري والضروري عنده متساوٍ،  والمتساوي عنده أكثري، والرياضيات هي جزرة ، والجزرة مخلوق فضائي، والمخلوق الفضائي يحب كرة القدم، وكرة القدم تدرس في المعاهد الدينية، والمعاهد الدينية هي رقم أربعة، والأربعة نصف الخمسة، والخمسة ضعف البطاطس .. فكل ذلك يحق له لمجرد أنه حكم بذلك ! 

وحين تسأل هذا المجنون: كيف حكمت بذلك؟

سيقول لك : يكفي أني أراها بهذا الشكل ! 

2 - النسبية قامت على تحريف معنى المعرفة : 

يقول أرسطو في المقالة الأولى في البرهان:    "نحن نرى أننا عرفنا بنحو مطلق بشيء ما (وليس بالعرض على طريقة السفسطائيين)، عندما نرى أن سبب معرفتنا به هو السبب في كونه هذا الشيء، وأنه لا يمكن لهذا أن يكون بنحو آخر. بل من البيّن أن هذا هو معنى أن نعرف الشيء؛ فالذين يظنون أنهم عرفوا الشيء يعتقدون بأنهم عرفوه بهذا النحو، دون أن يكونوا كذلك، والذين عرفوه حقيقة، يكونون كذلك حقا. وإذا كان كذلك، فهذا يعني أن ما نعرفه بنحو مطلق، هو الذي لا يمكن أن يكون بنحو آخر. ثم إن ما نحن معنيون به الآن، هو المعرفة التي تحصل عندنا بالبرهان (سنأتي لاحقًا لنتكلم عن حصول المعرفة بنحو آخر)، وما أعنيه بالبرهان: القياس العلمي؛ وما أعنيه بالعلمي: المشتمل على الأمور التي بامتلاكها عن الشيء يعرف أنه ذلك الشيء. "

فهذه هي المعرفة التي كانت تبحث في الفلسفة، ويبحث عن شرائطها في علم المنطق،هو أن تعرف الموضوع من خلال أسبابه التي تشكل ماهيته، 
حيث يمارس الباحث نشاطًا ذهنيًا تجاه موضوعٍ ما، و يبدأ بمعرفة هذا الموضوع من خلال الأمور التي تجعله هو وليس شيئًا آخر، أي يعرفها بنحو يجعلك تعرف المربع  بأنه مربع وليس مثلثًا، أي بمعرفة الأشياء من صفاتها الجوهرية التي تشكل ماهيتها.

بينما المعرفة في الطرح النسبوي هي معرفة الأشياء بغير أسبابها، مما يجعلنا عرضة للخطأ والظن والتوهم، واحتمالية تبدل ما نعتقده هو الناتج. 

وقد أدخل رجل ملحد اسمه ( ديفيد هيوم) هذا المعنى المحرف إلى " المعرفة " في ساحة الفلسفة ،حيث ادَّعى  أن المعرفة ليست هي عملية ممارسة ذهنية متصلة بموضوع ، بل هي محض الممارسة الذهنية مع نفسك ! 
لذلك وصل إلى استنتاج عجيب،هو بما أن الذهن قادر على فصل أي محمول عن أي موضوع أو تركيب أي محمول لأي موضوع إذن هذا الأمر ينطبق على واقع إدراكنا للأشياء .

مثال لتوضيح كلامه:
ذهنيًا تستطيع تصور شجرة تلعب الشطرنج
فأنت أسندت صفة لعب الشطرنج إلى الشجرة، وبما أنك استطعت فعل ذلك في ذهنك، إذن يمكن أن يكون الواقع بهذا الشكل !

وهو بهذا أغفل أن المعرفة معناها الحقيقي هي ليست محض الممارسة الذهنية، بل اتصال الذهن نحو موضوع ما، ومعرفة معانيه المتضمنة فيه. 

فديفيد هيوم يساوي بين التخيّل والمعرفة، ويساوي بين أحوال الأشياء في نفسها والأحوال الذهنية.

فقد قال في كتابه (Treatise of Human Nature, Book I, Part III, Section IIIما ترجمته:"لا يمكننا على الإطلاق أن نبرهن على ضرورة وجود سبب لكل ما يوجد بعد أن لم يكن أو لكل تغير في موجود ما، من دون أن نبيّن في الوقت نفسه الاستحالة الكامنة في وجود شيء ما بعد أن لم يكن، بلا مبدأ فاعل أوجده؛ وحيث إنه لا يمكن إثبات صحة المسألة الأخيرة، فلا مناص أمامنا من أن نيأس من قدرتنا على إثبات صحة الأولى. أما أنه لا يمكن على الإطلاق إيجاد دليل برهاني على القضية الأخيرة، فهذا ما يكفينا فيه أن نلاحظ كيف أن الأفكار المتميزة عن بعضها البعض في أذهاننا، يمكن أن نتصور كلًا منها بدون الآخر، وبما أن فكرتي السبب والنتيجة متمايزتان بشكل واضح، فمن السهل لنا إذاً أن نتصور أي شيء غير موجود في هذه اللحظة، ثم يوجد في اللحظة التالية، دون أن نضم إليه الفكرة الأخرى المتميزة عندنا حول السبب أو المبدأ الفاعل. وهذا يعني أن انفصال فكرة السبب عن فكرة وجود الشيء بعد أن لم يكن، ممكنة بوضوح بالنسبة إلى خيالنا، وهذا ما ينتج عنه أن الانفصال الواقعي بين هذين الشيئين ممكن هو الآخر على حد سواء، وهذا ما يعني ضمنًا أنه لا يوجد أي تناقض أو سخافة في ادعاء ذلك، وبالتالي عدم إمكان رفض هذا الإمكان بتوسط أي نوع من أنواع الاستدلال اعتمادًا على محض الأفكار، والذي بدونه لا يمكن البرهنة على ضرورة وجود السبب."


3 - النسبية قامت على التناقض :

يحب أنصار النسبية طرح فكرتهم عبر الصياغة التالية: " كل الحقائق نسبية ".
والاعتقاد بهذا النحو هو شكل من أشكال المعرفة المطلقة التي يرفضونها، فلفظة " كل " تدل على الأبدية والديمومة، وأن اعتقادهم قاعدة وقانون تشمل جميع المعارف البشرية. 
فعندها ينفي النسبوي وجود معرفة مطلقة وهو يؤمن بمعرفة مطلقة وعلاقة الإثبات والنفي هي علاقة تناقض؛ أي أن المعنيين لا يمكن أن يجتمعا فالإنسان إما أن ينفي حكمًا ما أو أن يثبته، فلا يستطيع جمع النفي والإثبات معًا.


4 - النسبية قامت على مغالطة أن البشر لا يتفقون على أي شيء :

يزعم النسبوي أن من أدلة إثبات النسبية هو اختلاف البشر في كل شيء 
وهذه الحجة سخيفة جدًا، فيكفي أن تختلف مع النسبوي حتى نقول له بعدها: بأننا لا نستطيع التيّقن من صحة النسبية ؛لأن هناك من يخالفك وهكذا في كل المسائل.
تخيّل كيف سيكون شكل القضاء في حال تبنيه للنسبية، حيث يقوم القاضي برفض أي قضية بمجرد أن المتهم وصاحب الدعوى مختلفان ! 
مغالطة النسبوي في الركون إلى اتفاق الناس يهمل النظر في الأسباب التي اعتمدوها في معرفة الشيء، فمن الطبيعي أن الذي يعتمد على مشاعره في الحكم على الأشياء ليس كالذي يحكم على شيء بسبب خصائص ذلك الموضوع .. 

ولا بأس بسرد بعض الأمثلة لحقائق لا يختلف عليها العقلاء:


·                     النظام أفضل من الفوضى.

·                     كل مجتمع يحتاج إلى قانون.

·                     كل قانون أحكامه إلزامية.

·                     كل قانون يتضمن العقوبات.

·                     كل قانون يهدف إلى حفظ الحقوق.

·                     كل قانون يحدد آلية مقبولة لتشريعه.

·                     كل قانون يحدد آلية لحل النزاعات التشريعية.

·                     كل قانون فيه جهة مختصة لتفسير مواده .

·                     القانون يختلف باختلاف الموارد والعناوين.

·                     مواد القانون تختلف من حيث أهمية القاعدة ومدى الإلزام.

·                     كل عقد من شروطه هو اتفاق بين الطرفين.

·                     من القبيح العقوبة بلا بيان.

·                     العلم أفضل من الجهل.

·                     التعليم من أساسيات تنمية المجتمع.

·                     الإنسان لديه حرية إرادة، إذن هو مسؤول عن أفعاله.

·                     الحسد قبيح.

·                     قتل البريء قبيح.

·                     السرقة قبيحة.

·                     خيانة الأمانة قبيحة.

·                     شهادة الزور قبيحة.

·                     الوفاء بالعهد حسن.

·                     إكرام الأب حسن.

·                     إكرام الأم حسن.

·                     إكرام الأبناء حسن.

·                     إكرام الأصدقاء حسن.

·                     إكرام الجار حسن .

·                     الاحترام بين الزوجين حسن.


·                     جزاء الإحسان هو الإحسان.

·                     الكفاءة شرط لتولية المهام .

·                     كل إدارة ناجحة لديها هدف. 

·                     كل هدف يحتاج إلى خطة لتحقيقه.

·                     كل هدف يجب أن يكون قابلاً للقياس. 

·                     كل قرار نحو الهدف إما فوري أو غير فوري.

·                     كل قرار غير فوري إما قريب الأثر أو بعيد الأثر. 

·                     كل إنسان له حاجة.

·                     كل سلوك له غاية .

·                     كل سلوك له أثر.

·                     الألفاظ لها معانٍ.

·                     الألفاظ لها أصوات. 

·                     الألفاظ قد تكون حقيقية،وقد تكون مجازية .

·                     الألفاظ قد يكون لها سياق، وقد لا يكون.

·                     السياق يؤثر في المعاني.

·                     الكلام يفهم بظاهره .

·                     العرف يدخل في تحديد معنى الألفاظ .

·                     القرائن تدخل في تحديد معنى الألفاظ .

·                     المعاني لها دلالات التزامية.

·                     الأحكام المتناقضة باطلة .

·                     الشيء عبارة عن صفات.

·                     الصفات إما جوهرية أو غير جوهرية.

·                     صفات الشيء إما عامة أو خاصة .

·                     الأوليات صادقة بنفسها.

·                     الحسيات صادقة بنفسها.

·                     الوجدانيات صادقة بنفسها.

·                     التجريبيات صادقة بنفسها.

·                     حكم الأغلبية ليس صادقًا بنفسه. 

·                     حكم الثقاتِ ليس صادقًا بنفسه .

·                     حكم الانفعالات ليس صادقًا بنفسه.

·                     حكم الوهميات ليس صادقًا بنفسه .

·                     اختلاف الناس حول حقيقة ما لا يعني الحقيقة غير موجودة.

·                     اختلاف الناس حول حقيقة ما لا يعني أن الحقيقة نسبية.

·                     الموجودات إما مادية أو غير مادية ( كالرياضيات،و الكليات ، و الوجود             الالهي).

·                     الأشياء إما صفة الوجود تنفك عنها أو لا تنفك.

·                     المسبوق وجوده بالعدم من الأشياء التي صفة الوجود ينفك عنها.

·                     الشيء المسبوق بالعدم يحتاج في وجوده إلى غيره(كاحتياج الإنسان في                 وجوده إلى غيره (.

فإذا ادّعى النسبوي أن هناك الكثير من المسلمات والتجارب كانت ضمن المسلمات في مجتمع ما، فهذا لا يدل على أن الحقيقة نسبية، بل يدل على أن هناك أفرادًا لم يمارسوا الأسباب التي تجعل المعرفة صحيحة، فوجود الحقيقة المطلقة لا يعني بأن الجميع سيدركها، بل يعني أنه يجب التقيّد بشروط توصل إلى اكتشاف ذلك على نحو سليم
ومن المضحك رؤية النسبوي وهو يدّعي بأن هناك تجارب كانت من المسلمات في زمن ما ثم تغيرت،
وحين تسأله : وكيف عرفت خطأ السابق ؟ 
يجيبك : من خلال التجربة 
وهي الممارسة ذاتها حين يدّعي أن الحواس تخطئ 
وحين تسأله كيف عرفت أن الحواس أخطأت ؟ يجيبك:من خلال الحواس 

وهذا ينبه إلى حقيقة راسخة يحاول النسبوي التهرب منها:هي ادّعاء الخطأ يلزم عنه وجود معيار ثابت من خلاله نحدد ما هو الخطأ وما هو الصواب.

وأخيرًا نذكر النسبوي بأنه يؤمن بمجموعة حقائق يراها مطلقة – وهذا الفعل يناقض كلامه - وهي : 

·                     الدول الديموقراطية أفضل من الدول غير الديموقراطية.

·                     الحكم العلماني أفضل من الحكم الديني.

·                     المرأة متساوية مع الرجل.

·                     شرب الخمور حرية شخصية.

·                     التعري حرية شخصية.

·                     التحرش جريمة.

·                     ممارسة الجنس بالتراضي لا تعد جريمة.

·                     إصدار آراء مثل أن الأبيض أذكى من الأسود يعدُّ جريمة تنمر.

·                     إصدار آراء مثل أن الأديان سبب للتخلف، والإرهاب يعدُّ حرية تعبير.

·                     لا يحق للأب إجبار ابنته على ارتداء الحجاب.

·                     لا يحق للأم إجبار ابنها على البقاء على جنسه لو أراد التحول إلى جنس             آخر.

·                     اعتقادك الديني لا يؤثر في شيء على تقييمك الأخلاقي.

·                     الحرية مقدسة.



5 - النسبية قامت على الوساوس القهرية 


الشكل الأول للوساوس يرى النسبوي بأن هناك دائمًا احتمالية في الوقوع بالخطأ.
أي أنه يطلب الدليل على صحة كل شيء إلى مالا نهاية  

والرد على هذه الوسوسة على النحو الآتي  :

أ-  اعتقادك بالخطأ دليل على وجود ضابطة ثابتة عندك في معرفة الصواب من الخطأ وهذا يناقض منطلقاتك.

ب – إذا كانت كل قضية تحتاج إلى دليل يثبت صحتها، وهذا الدليل بحاجة إلى دليل آخر يثبت صحتها، وهكذا إلى ما لا نهاية، فلن يبقى في الحياة حجر على حجر إلا تهاوى، وأوله الأنظمة السياسية التي يدعو إليها النسبوي.

فالمعلوم أن الديموقراطية لا تقوم إلا برأي الأغلبية، وأداة الكشف عن رأي الأغلبية يكون من خلال الانتخابات التي تحتاج إلى جهة رقابية لضمان سلامة فرز الأصوات، ولكن من الذي يضمن أن تكون الجهة الرقابية على الانتخابات أمينة ؟ ألا يستدعي ذلك أن تكون هناك لجنة أخرى لمراقبة اللجنة المختصة بمراقبة سلامة فرز الأصوات؟ ولكن من الذي سيضمن أن اللجنة الثانية ستكون أمينة ؟ إذن علينا وضع لجنة ثالثة لرقابة أداء الثانية، ورابعة لمراقبة أداء الثالثة، وخامسة لمراقبة أداء الرابعة، وهكذا لن تخرج نتيجة الانتخابات أبدًا.

ثم ان ادعاء النسبوي بأن كل قضية بحاجة الى دليل هي بذاتها قضية بديهية عنده ، فاذن هو ينطلق من مسلمات لا يطلب الدليل على صحتها !


الشكل الثاني للوساوسوهو سؤال يصيغه النسبوي على النحو الآتي: كيف أعرف الحقائق مع هذا الكم من الآراء المتضاربة والعلوم المتداخلة؟

الجواب : كل حقيقة مركبة هي عبارة عن حقيقة بسيطة، فعليك أن تبدأ من نقطة الصفر، وأن تتدرج بالمطالب ولا تستعجل. 

الشكل الثالث للوساوس : ومن يستطيع أصلاً بحث الموضوع من كل الجهات مع هذا الكم الهائل من المعلومات والاكتشافات الجديدة ؟ 

الجواب : تبدأ بتحديد مطلوب واحد تبحث عنه، ثم تنطلق من بسائط الموضوع الذي تبحث عنه ،وستنقسم هذه البسائط إلى متقابلات محصورة , ثم ترى عوارضها الذاتية اي احوالها بالنسبة لمواضيع اخرى

مثلًا حين تبحث عن قضية رياضية (المطلوب)
 فما بسائط هذا المطلوب ؟ إنه عدد ( مبادئ الموضوع )
 والعدد ينقسم إلى فرد أو زوج. ( المقابلات المحصورة )
العدد اثنين ضمن  الاعداد الزوجية وهو بالنسبة الى عملية الضرب يكون اربعة , والاربعة يكون بالنسبة الى الثمانية هو النصف (العوارض الذاتية )


 فهذه العملية التحليلة تختلف عن الاستقراء، فأنت هنا لا تبحث عن جزئيات حسية متناثرة، بل تنطلق من مبادئ الموضوع وترى انقساماته الفعلية ،هكذا تستطيع استقصاء الموضوع من جميع الجهات. 


الشكل الرابع للوساوس : ألا يعترف الخبراء أنفسهم بأنهم تعرضوا لأخطاء وتراجعوا عنها فما يدريني أني لن أكون مثلهم ؟ 

الجواب : كون الخبراء لديهم ميزان يضبطون فيه صحة نتائجهم عليه فهذا هو المطلوب 
والباقي يتعلق بكفاءة العالم في إتقان الميزان وتطبيقه، وهنا يكون معنى"الخبير" المدرك للموانع التي ممكن أن تطرأ عليه، وكيفية التغلب عليها، لذلك البحث العلمي بحاجة إلى تدريب تمامًا كأي صناعة أخرى 

فلا تنسَ هذا الشرط حتى تخرج من نسبويتك ووسوستك وتكف عن إطلاق النار على الحضارة .. وعلى رجلك !

الشكل الخامس من الوسواس :
يزعم النسبوي بأن جميع الموجودات في حالة تغير وتطور وتحول مستمرة ، فإذا كانت الموجودات بهذا النحو فهذا هو قانون الوجود أي لا يوجد أي شيء ثابت

الجواب : ادراكك لوجود شيء تغيَر من حالة ألف إلى حالة باء من ثم إلى حالة ج يتضمن بأن هنالك شيءٌ ثابت له خاصية التغير
فأنت حين تلاحظ بأن الطفل تحول إلى شاب والشاب تحول إلى مسن لاتكون التحولات تامة ، بل هنالك شيء ثابت اكتسب حالة  جديدة ، هذا الثابت هو "الإنسان " .
 وهذا ينقض الزعم القائل بأن التغير الموجودات يعني النسبية و عدم وجود شيء ثابت يمكن الانطلاق منه في الادراك

الشكل السادس من الوسواس :

احدى الصيغ الشائعة من مقولة كل الاشياء متغيرة هي وصف الأشياء بأنها تحمل الشيء وضده  : فيكون هنالك امرين متضادين موجودان في الشيء نفسه مثل: الحب والبغض – الحركة والسكون .. وهذا التضاد يعني عدم وجود حقيقة ثابتة

الجواب : وبما أن الأفكار من ضمن الموجودات ، والنسبية فكرة ، فإذن هي تتضمن الضدين أي أنها صادقة وكاذبة في ذات الوقت وصحيحة وغير صحيحة في نفس الوقت !

الشكل السابع من الوسواس :
يصوَر النسبوي بأن الاعتقادات هي مجرد " آراء " والرأي لا يوصف بأنه قطعي بل أنه أقرب إلى الصواب فقط ، لذلك لا يجب أن يزعم أحدنا بأنه يمتلك الحقيقة القطعية

وهذا التصور يتضمن:
- بأن النسبوي في هذه الممارسة يميز بين وجود حقيقة ثابتة وحقيقة أقرب للثبوت وهذا يعني أنه يؤمن ضمنيا بوجود حقيقة ثابتة جعلته يعبر عن اراء معينة بأنها " أقرب " من غيرها ، وهنالك معيار يجعل الأراء أقرب وأبعد من خلاله نستطيع الوصول لحقيقة ثابتة !

وبما أن الحقيقة الثابتة موجودة والمعيار -الذي يجعلنا نطمئن لأراء معينة أكثر من غيرها ، موجود أيضا فهذا يبطل مقولة النسبية

الجزء الثالث من المقالة :شخصيات ترفض النسبية :

سنستعرض هنا اسماء من يرفض النسبية فالبعض يظن بأن الايمان بالنسبية هو محل اجماع الغربيين :

 - جوج بلويترز : 

في كتابه اصول الفلسفة الماركسية
يرفض النسبية ويطلق عليها مسمى " اللا ادرية " ويرى انها فكرة انتشرت من قبل البرجوازيين لاجل تخدير الطبقات العاملة عن معرفة حقيقة ما يجري لهم وان هذه اللا ادرية اعتمدت على شخصيات مثل ديفيد هيوم وكانط والبرغماتية واوجسكنت كونت والاسمانية وهذه بعض الاقتباسات :

ما هي الفلسفة؟

فهم قدماء الاغريق ـ وكان بينهم أعظم من عرف التاريخ من مفكرين ـ من الفلسفة حب المعرفة. ذاك هو المعنى الدقيق لكلمة "فيلوسوفيا" (philosophia) التي اشتقت منها كلمة "فلسفة" (philosophie)
وتعني كلمة معرفة "معرفة العالم والإنسان". تتيح لنا هذه المعرفة إقامة بعض قواعد الفعل، كما تتنيح لنا تحديد موقفنا من الحياة. وكان الحكيم هو من يسير في سلوكه حسب هذه القواعد التي تقوم على معرفة العالم والإنسان.
ولقد استمرت كلمة "فلسفة" منذ ذلك العصر لأن الحاجة كانت ماسة إليها. وكثيرا ما تدل على معان مختلفة نظرا لاختلاف وجهات النظر إلى العالم. بيد أن معناها الدائم هو أنها:
"
نظرة عامة إلى العالم، تمدنا بقاعدة للسلوك".

وسوف نستشهد بمثال من تاريخ بلادنا، على هذا التعريف.
كان الفلاسفة البورجوازيون في فرنسا يعتقدون في القرن الثامن عشر، كما كانوا يعلمون الناس، اعتمادا على العلوم، أن العالم يمكن معرفته، وكانوا يستنتجون من ذلك أنه يمكن تحويله من أجل خير الإنسان.
وكان الكثيرون يعتقدون، ومن بينهم كوندوسيه مؤلف كتاب:
عرض تاريخي لتقدم الفكر الإنساني (1794).
أن الإنسان يمكن إصلاحه وأن المجتمع يمكن أن يصبح أفضل مما هو عليه الآن.
فما كاد القرن ينقضي حتى أخذ الفلاسفة البورجوازيون يعلمون، على العكس من ذلك، انه لا يمكن معرفة العالم وأنه لا يمكن إدراك "حقيقة الأشياء" ولن ندركها قط. ومن هنا كان من العبث محاولة تحويل العالم. وإذا كنا نستطيع التأثير في الطبيعة، فأن هذا التأثير سطحي، لأننا لن ندرك "حقيقة الأشياء". وأما الإنسان... فهو كما كان في الماضي وسيظل كذلك. إذ أن هناك "طبيعة إنسانية" يستحيل علينا سبر غورها. "فما الفائدة إذن من الجهد لتحسين المجتمع؟

...

– تَشويه الفِكرة الماركسيَّة عَن النَاحِيَة العَمَليَّة
لقد بلغ من أهمية فكرة الناحية العملية، بعد انتشار الشيوعية، أنه يستحيل أهمالها. ولهذا حاولت البرجوازية الرجعية تبنيها وتشويهها. لأنها أرادت أن تكون لها، هي أيضا، فلسفة تقوم على العمل. وهذه هي العقيدة التي تسمى بالبرجماتزم.
ظهرت فلسفة البرجماتزم في الولايات المتحدة الأميركية أيام الغزو الاستعماري وانتشرة في أوربا أنتشاراً كبيراً ولا سيما منذ الحرب العالمية الثانية. وليس من الصعب أن نرى أن البرجماتزم نوع فج من اللاأدرية، فهي تعتقد أن أساس الحقيقة ليس مطابقة الواقع وانعكاس الواقع الصحيح ومراقبته بل هي الفائدة. ولكن فائدة من؟ فائدة زيد أو عمر، فائدة البرجوازية أم البروليتاريا؟ إذ أن كل ما هو حقيقي مفيد ما عدا أولئك الذين هم بحاجة للكذب. ولقد أصبح الكذب أفيد للبرجوازية الرجعية والحقيقة وحدها يمكن أن تكون مفيدة للبروليتاريا. أما البرجماتزم فهي تعتقد أن الحقيقة ذاتية وليست موضوعية، فهي لا تعبأ بالحقيقة في ذاتها بل هي فلسفة أشد ضروب الجهل رجعية في الفلسفات المثالية.
تقول فلسفة البرجماتزم: "الدين موجود، وهو مفيد لبعض الناس، إذن هو حقيقي" فهي تعلق الحقيقة بفوائد الطبقة المسيطرة، لأن البرجماتزم فلسفة البرجوازية المتداعية التي تنكر العلم. فهي بهذا تتغنى بأمجاد المكيافيلية.
وهكذا تبرر مصلحة الدولة (كما يقول مكارتي) اغتيال آل روزنبرج. كما تصبح صحيحة أكثر الأشياء تعارضاً إذا كانت تلك مصلحة رأس المال. وهذا يؤدي بنا الى عبادة الفائدة القصوى.
تقول فلسفة البرجماتزم، بما أنها فلسفة تقوم على العمل، بالعمل الناجح مهما كانت المباديء، فهي تعتقد أن الغاية تبرر الوسيلة، فهي بذلك فلسفة المقامرين الفاشيست حسب القول الذائع: "الحقيقة هي ما يفكر به موسوليني هذه اللحظة".

 – جون سيرل

 - رؤية الاشياء كما هي الصادر عام 2015 من جماعة اكسفورد وترجم في 2018
يقول في ص 20 :
هناك خطأ بالضخامة نفسها تقريبا، والذي ساد تقاليدنا في القرن السابع عشر، وما بعده، وهو خطأ الافتراض أننا لا نستطيع مطلقا أن ندرك الموضوعات والظروف الجارية في العالم بصورة مباشرة، وأننا لا ندرك مباشرة إلا تجاربنا الشخصية. وقع في هذا الخطأ كثير من الفلاسفة، ومن بينهم دیکارت، ولوك Locke وبیرکلي | Berkeley، ولايبنتز Leibniz، وسبينوزا Spinoza، وهيوم Hume، وكانط Kant.. لکنه ازداد سوءا بعد كانط. وكذلك میل Mil وهيغل Hegel، على رغم كل الخلافات بينهما، لا بد من إدراجهما في تلك القائمة أيضا. في هذا الكتاب، سأكشف هذا الخطأ وعواقبه الوخيمة،

- كتاب العقل واللغة والمجتمع : " لقد ناقشت ذات مرة عالم مشهور في دراسة الجماعات البشرية زعم أنه قد أثبت علماء الفلك يبتكرون بالفعل أشباه النجوم وظواهر فلكية أخرى من خلال بحوثهم ومناقشاتهم . قلت له محدقاً مندهشة : هب أننا سرنا على ضوء القمر وقلت لك : ما أروع القمر هذه الليلة ووافقتني على ما اقول . فهل ابتكرنا القمر؟! قال لي نعم ! "


  ادورات فسر

 في كتابه الخرافة الاخيرة يرفض النسبية



   ألسدير ماكنتاير

في كتابه بعد الفضيلة  يرد على القائلين بنسبية الأخلاق


سعيد توفيق
في كتابه جدل حول علم الجمال يرد على القائلين بنسبية الجمال


يوسف كرم

في كتابه العقل والوجود يرفض النسبية


تشس ورين

في كتابه منطق الصدق يرفض النسبية


انتهى

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق