الجمعة، 20 مارس 2020

التدين الليبرالي والسؤال النسوي


العنوان : التدين الليبرالي والسؤال النسوي


- تدعي الليبرالية بأنها ليست دينا ولكنها ذات بنية دينية
- ظهور النسوية
- مبادئ محورية الانسان
- تقييم السؤال الذي انطلقت منها النسوية


المدخل :
نشأت العلمانية الليبرالية كحالة بديلة عن الكنيسة , لذلك قامت بعدة استبدالات
فها هي تستبدل بقداسة الله قداسة الإنسان , وتستبدل بالكتاب المقدس ميثاق حقوق الإنسان , وكطبيعة المقدسات التي تنهى عن  الكفر بها , تأتي الآية ( المادة 30 ) الأخيرة من ميثاق حقوق الإنسان قائلةً:
"
ليس في هذا الإعلان أيُّ نصٍّ يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أيَّة دولة أو جماعة، أو أيِّ فرد، أيَّ حقٍّ في القيام بأيِّ نشاط أو بأيِّ فعل يهدف إلى هدم أيٍّ من الحقوق والحرِّيات المنصوص عليها فيه."

اما المرتد فالجيش الفتح " الإنساني " يتربص به من خلال "مجلس الأمن" ( ولان حفظ المقدس اولوية  فلا بأس هنا ان نوقف عمل ب " المساواة " التي نادت بها الامم المتحدة ويصبح لبعض الدول " امتياز " اسمه حق الفيتو , فتلك هبة من الإنسان الذي يمتلك صواريخ نووية )

فإذا كانت علامة المؤمن هو الخضوع للمقدس( العبادة ) , فها هي الدول تعلن أن "سيادتها منقوصة" , وتقر ب " المعاهدات الدولية " بعدما كان العهد بين العبد والرب (لذلك سمي التوراة بالعهد القديم والانجيل بالعهد الجديد )

وكأي فرقة ناجية , هناك فقهاء و عوام , ومن اولئك الفقهاء الليبراليين نجد المخنث فكريا "ريتشارد داوكنز" يقول بأن لديه " وصايا العشر الجديدة " ( ولا يخفى عنكم الدلالة الدينية لهذه العبارة ) وقد بدأ بنود وصاياه بـ "
تمتع بحياتك الجنسية على شرط الا تضر بالآخرين  ودع الآخرين يفعلون الشيء نفسه فيما يتعلق بذلك بغض النظر عما هم عليه والذي ليس من شأنك أبداً "

ومن هذه القاعدة الفقهية , يستنبط "لورنس كروس" جواز العلاقة الجنسية بين المحارم
بشرط عدم الإنجاب  , ويبيح بيتر سينجر ممارسة الجنس مع الحيوانات لكنه لم يخبرنا بجواز الانجاب منها او لا , او بمدى استحباب اقامة الجنس مع القردة بدل الاسماك

ولهذه القاعدة الداوكنزية تفريعات اخرى ,  مثل جواز قتل الاطفال ( الاجهاض ) وجواز قتل الاخرين برضاهم ( القتل الرحيم ) , وجوار قتل المرء لنفسه ( الانتحار ) و جواز العمل في الافلام الاباحية , فيكفي ان العاهرة تعتقد بأن ما تقوم به "عمل فني" , حتى يتحول العهر إلى مسألة نسبية 

وحالة اختلاق "الوصايا العشر" مارسها ايضا الملحد برتراند رسل صاحب العقل الفارغ الذي افتتح وصاياه بـ : "شك بكل شيء" . وهي وصية يلزم عنها تدمير الديموقراطيات بل وحتى تدمير العقل الإنساني  , ففي الحالة الأولى كل دليل عندك ستشك فيه , اي ستطلب دليل اخر يثبت صحته , وحين يأتي الدليل الآخر ستشك فيه وتبحث عن دليلاً آخر يثبته , ثم تجد الدليل الآخر وتشك فيه هكذا ستستمر حتى تجد نفسك عاجزاً عن اثبات اي شيء, لان كل شيء عندك بحاجة الى دليل, وكل دليل انت تمارس الشك ضده !

وهي عين الممارسة التي اوقعت امثال برتراند رسل في الالحاد التي تكون تحت عنوان من خلق الله؟! , لانه يطلب دليل لاثبات كل موجود , فهو يرى الموجود رقم 1 ويقول كيف جاء ؟ بالموجود رقم 2  , الموجود رقم 2 كيف جاء ؟ بالموجود رقم 3  وهكذا يطلب لكل موجود سبباً , بلا ادنى تمييز بين انواع الموجودات , فهو ينطلق من مقدمة وهمية تقول : " كل الموجودات يمكن ان تكون موجودة او غير موجودة " فلذلك هو يطلب الدليل على وجود مبدأ الموجودات , فما دام كل دليل يحتاج الى دليل اخر يثبت صحته فهو ايضا يحتاج الى سبب لكل موجود حتى يثبت وجوده , فيصل الى نتيجة مدهشة وهي ان  الموجود جاء من الغير الموجود , وهي تعني بأن العدم الذي يعني اللاشيء , الذي يعني "اللاقدرة" , "قادرة "على انتاج شيء ما !! , ومن الواضح ان العلاقة بين اللاقدرة والقدرة هي اجتماع للنقيضين


اما في الحالة الثانية فالمعلوم ان الديموقراطية لا تقوم الا برأي الاغلبية , واداة الكشف عن راي الاغلبية يكون من خلال الانتخابات , التي تحتاج لجهة رقابية لضمان سلامة فرز الاصوات , ولكن من الذي يضمن ان تكون الجهة الرقابية على الانتخابات امينة ؟ الا يستدعي ذلك ان يكون هناك لجنة اخرى لمراقبة اللجنة المختصة لمرقابة سلامة فرز الاصوات ؟ ولكن من الذي سيضمن ان اللجنة الثانية ستكون نزيه ؟ اذن علينا وضع لجنة ثالثة لرقابة اداء الثانية , ورابعة لمراقبة اداء الثالثة وخامسة لمراقبة اداء الرابعة وهكذا لن تخرج نتيجة الانتخابات ابدا

(وهذه الممارسة العقلية في ان التسلسل محال وان لكل مسألة عرضية هي ترجع لمسألة ذاتية , هو ما اثبت فيه عصمة الانبياء  )

ثم ان عملية الشك  متوقفة على التمييز بين الصواب والخطأ , فالشاك لديه "مسلمات" يؤمن بصوابها , من خلالها يمارس عملية الشك في الاشياء لمعرفة هل هي صالحة ام لا , لذلك لا تجد الليبرالي يمارس الشك على مسلماته, بل شكه شك موجه وانتقائي ضد اهل الباطل ممن هم ليسوا ليبرالين , والإيمان بهذه المسلمات هو الطريق لتحقيق " الجنة " الأرضية , أي أن تكون الدول كالدول الغربية , التي نعلم عنها قصة او قصتين عن مهاجر كان مسحوقا في بلده ( التي غالبا تشترك الدول الغربية في فساد حكوماته ) ولكن ما ان حطت قدمه على تراب تلك الدول حتى تحول تدريجيا بؤسه الى نعيم ابدي , واكد له التطور التقني ( الذي سيتحول الى اداة شر وخدمة للرأسمالية ) ان لك الا تجوع فيها ولا تعرى

وهكذا تجد الليبرالي مزدحماً باليقينيات والقطعيات والمسلمات من جهة , ومن جهة اخرى مثقلاً بألوان التشكيكات تجاه كل ما هو يخالف عقيدته في " محورية الإنسان " , بل يخلص في عقيدته الى حد طلب الشهادة , لذلك يحفظ ما نسب الى  فولتير : "
انني اختلف معك في كل كلمة تقولها لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في ان تقول ما تريد "

وكمثل اي انسان يحترم علماء عقيدته ويثق بهم, تجد الليبرالي مطيعاً جدا , يتبنى عشرات القضايا لانها من " المشهورات " او " المقبولات " , لاحظهم كيف " يسلمون " بمسائل فلسفية دون اثباتها , فينطلق الطبيب النفسي من كون الانسان كائناً باحثاً عن اللذة او ينطلق العالم الاجتماعي من كون الدين نتاج حالة شعورية , او ينطلق المثقف الليبرالي من ان الحقائق لا يمكن اثباتها الا من خلال التجارب العلمية فقط (هذا يعني لا يمكننا اثبات ميثاق حقوق الانسان! )


بعد ذلك تجد فئات المصلحين في الدعوة الليبرالية , من الحقوقيين وانصارهم المشتغلين في "الامر بالمعروف " والنهي عن المنكر " فيذكر الناس بضرورة حفظ الانسان ويعظهم بأن ذلك خير لهم ويتوعدهم بعقوبة مثل الانهيار الاقتصادي وتسلط الاشرار او وقوع نزاعات ويمارس عقيدة الولاء والبراء , فهو يوالي جميع الحقوقيين في الحال ويطالب بالافراج عنهم , يتبرأ ممن يراهم كفاراً ب"الإنسانية" (كما حدث جوردن بيترسون حين اعترض على قانون كندي يخدم المثليين , فخرجت دعوات بفصله وتلقى إنذراً من جامعته )


# النسوية :
من بعد الحراك الدعوي التبشيري لليبرالية , ظهرت النسوية وهي تطرح اسئلة
: لماذا حقوقنا ليست متساوية كالرجال ؟!
ونادت
وفقا لمحورية الانسان بالمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء ( بعض النسويات يعتبرن تقديم كلمة الرجال على النساء في العبارة السابقة نوع من التحيز النفسي!) وان الرجل " الذكوري"   قام باستغلال المرأة وفرض تبعيته عليها , وانساق المجتمع نتيجة هذه الثقافة الذكورية وجعل عدة تنميطات كرست نظرة عامة لادوار المرأة والرجل , ومن هذه التنميطات  : المرأة كائن عاطفي مقابل الرجل غير عاطفي , الرجل كائن قوي مقابل المرأة الكائن الضعيف , او ان دور المرأة ان تكون زوجة ومربية للاطفال , وان الحجاب شكل من اشكال هيمنة الذكورعلى جسد المرأة , لذلك تعددت المشاريع التي تستبدل بالنمطيات الذكورية النمطيات النسوية , كتمجيد المرأة المستقلة الحرة بدل المرأة المتزوجة , والمرأة الموظفة بدل الربة المنزل , والمراة الجريئة بدل المرأة الخجولة

# مفهوم الحق ومحورية الانسان

فهل يجب ان تكون حقوق الرجال والنساء حقاً متساوية ؟

فما هو " الحق " اولا ؟

تعريف الحق  : فعل يحقق غاية للفاعل , ينبغي ان يحفظها القانون ولا يعيقه المجتمع

من المعلوم ان الافعال تكون لغاية ,  والغاية قد تكون صحيحة وقد لا تكون صحيحة , و الفعل قد يحقق هذه الغاية وقد لا يحققها

فما هو الطريق الذي يضمن صحة الغاية التي وضعتها لنفسي ؟

هنا تأتي الليبرالية وتقول مرة اخرى بفكرة " محورية الانسان " فما هي اصلا هذه الفكرة وكيف نشأت ؟ :

الانسان حين يفكر , ينطلق من بعض المبادئ التي تكون لديها تلقائية ولكنها ليست صادقة بالضرورة , والتلقائية تعني بأن فكرة ما تحركت لعقله دون ان يفحصها , ونتيجة هذه السرعة والوضوح , يظن انها مسألة بديهية وصادقة بنفسها , ومن هذه التلقائيات غير الصادقة هي " الوهميات " و " الانفعاليات " .

# الوهميات :
الانسان له خيال , يمكنه ان يفصل اي معنى عن اي معنى او يربط اي معنى بأي معنى مثل الانسان يطير ,
 و هذا الخيال احيانا يضطر ان يتخيل معنى ما بشكل ما واحيانا يعجز ,
مثال على الاضطرار هو حين اقول " الاله موجود " يتبادر الى الذهن ان الموجود لا بد ان يكون حسيا , لان رآه بخياله على شكل صورة , او حين اقول "الثقوب السوداء حقيقية" , فتقوم بتخليها بصورة ما
نتيجة هذه القدرة التلقائية يتوهم البعض بأن الممكن بالخيال هو الممكن بالواقع , وان ما يجسده خياله هو الواقع حقا
لذلك من الواجب على الباحث ان يرى هل ان احكامه نشأت بسبب قدرته على التخيل ام من خلال طبيعة الاشياء ؟

# الانفعاليات :

منذ نشأتنا المبكرة ونحن ننساق لفكرة أننا نطلب ما نستلذ به وننفر مما يؤلمنا , هذه التلقائية تجعلنا نظن بأن الشيء اذا كان ملذاً فهو الصواب و ان لم يكن ملذا فهوخاطئ حتى ان بعضهم عرف " السعادة " هي الابتهاج / الفرحة / اللذة , ومن الواضح بأن ليست كل ما نستلذ به هو الصواب بأدنى تأمل !

ما حدث ان الليبرالية انطلقت من " الوهميات و الانفعاليات " فرأت الاتي :

بما انني حين ارى الانسان في خيالي يكون مجزءًا ومفصولاً عن باقي الموجودات ( حسب تصور الانسان في الخيال )
فاذن الانسان هو فرد في وسط مجموعة
وهذا الفرد طبيعته في التعامل مع باقي الموجودات منطلقة من حاجاته و رغباته اي المقياس لديه في الافعال هي اللذة والالم ( اي الاحكام الانفعالية )

اذن الانسان هو محور الموجودات وغايته هو التلذذ ودفع الالم

ولكن هنا تقع مشكلة فاذا كان اصل الانسان انه يسعى إلى لذته فماذا نفعل مع اللذات المختلفة والمتعارضة والتي قد يصل ان يقتل الانسان الاخر ولا تتوقف الصراعات ؟

فكان حل الليبرالي هو لابأس باستخدام المنع والتقييد من هذه الجهة
 واقناع الناس بقاعدة ستكون بمثابة التعويذة يجب تكرارها آلاف المرات حتى تصبح من المشهورات وتحضر تلقائيا في اذهان الناس  :

"  انت حر مالم تضر بالاخرين "
" حريتك تتوقف عند حرية الاخرين "

فاختزلت رؤية فلسفية – لا يعرف كثيرمن الناس جذورها - في جملة , واختزلت الجملة في مفردات مثل :
الوطن : مكان تحقيق اللذة
الحرية : امكانية ممارسة اللذة
الانسانية : السماح للاخرين بممارسة لذاتهم
الإنسان : الغاية المنشودة

وعلى هذه الرؤية الفلسفية انبثقت الدساتير والتشريعات , ورأوا من لا يرضخ لهذه القاعدة يجب استخدام القوة معه , كونه عنيفا
وبما ان اللذة متنوعة و متغيرة فوجب ان تكون هناك برلمانات وصحف حرة كي يعبر من يريد عن اللذة التي يريدها
وتحدد " الاغلبية " اللذة المطلوبة
وبما ان المال هو اعظم وسيلة لتحقيق اللذات صارت حضارتنا ذات الفلسفة الليبرالية حضارة رأسمالية استهلاكية مادية

وعلى هذه الرؤية الفلسفية : تساءلت النسوية لماذا الرجل يستلذ اكثر مني ؟

بينما كان من الاجدر ان يكون السؤال : كيف نضمن ان افعال الرجال كانت صحيحة حتى نتساوى معهم ؟
واساساً كيف يمكن اعتماد اللذة والألم كمعيار للصواب والخطأ ؟

انتهى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق