الأحد، 11 ديسمبر 2016

ما هي وظيفة الفن الأساسية ؟



# المشكلة

يلاحظ بالانتاج الفني اليوم :


1-  اثارة القوة الغضبية من خلال الأعمال التي تتضمن للعنف , وهذا بدوره يعزز تجارة الأسلحة بالواقع الاجتماعي [1]
2 -  اثارة القوة الشهوية من خلال الاعمال التي تتضمن الاباحية [2] , وهذا بدوره يعزز الدعارة بالواقع الاجتماعي [3]
3 -  اثارة القوة الوهمية من خلال الاعمال التي تتضمن الاكاذيب ( مثلا الحياة غير حقيقة ) وهذا بدوره يعزز تجارة المخدرات بالواقع الاجتماعي [4]

فكيف وصل الفن الى هذه المرحلة من تدمير الانسان ؟

# جذور المشكلة := عالم بلا قوانين للفكر أو السلوك  :

انتقدت في يوم ما, لوحة تتضمن رسمة لامرأة عارية فكان جواب الرسام بأن هذا تفسيرك انت للوحة وقد يفسرها غيرك بطريقة مختلفة ![5]

واذكر انني سألت احد المختصين في مجال الفني , ايهما اعلى رتبةً الفن الذي يدعوا للفضيلة ام الفن الذي لا يدعوا للفضيلة ؟
 فأجاب الأخلاق أمر نسبي لذلك لا تفاضل بين العملين
!

ويقول نزار قباني في مقالة بعنوان في الشعر : " تصوير مخدع مومس وارد في منطق الفن ومعقول، وهو من أسخى مواضيع الفن وأغزرها ألوانا. أما المومس من حيث كونها إناء من الأثم، وخطأ من أخطاء المجتمع، فهذا موضوع آخر تعالجه المذاهب الاجتماعية وعلم الأخلاق.
يقول كروتشه في نقد المذهب الأخلاقي في الفن: "إن العمل الفني لا يمكن أن يكون فعلا نفعيا يتجه إلى بلوغ لذة أو استبعاد ألم، لأن الفن من حيث هو فن لا شأن له بالمنفعة. وقد لوحظ من قديم الأزمان أن الفن ليس ناشئا عن الإرادة. ولئن كانت الإرادة قوام الإنسان الخير فليست قوام الإنسان الفنان.
فقد تعبر الصورة عن فعل يحمد أو يذم من الناحية الخلقية؛ ولكن الصورة من حيث هي صورة لا يمكن أن تحمد أو تذم من الناحية الأخلاقية، لأنه ليس ثمة حكم أخلاقي يمكن أن يصدر عن إنسان عاقل ويكون موضوعه صورة.
"
إن الفنان فنان لا أكثر، أي إنسان يحب ويعبر. ليس الفنان من حيث هو فنان عالما، ولا فيلسوفا ولا أخلاقيا. وقد تنصب عليه صفة التخلق من حيث هو إنسان، أما من حيث هو فنان خلاق فلا نستطيع أن نطلب إليه شيئا واحدا هو التكافؤ التام بين ما ينتج وما يشعر به".
لو صح لنا أن نقبل ما زعمته المدرسة الأخلاقية في الفن لمات الفن مختنقا بأبخرة المعابد، ولوجب أن نحطم كل التماثيل العارية التي نحتها ميشيل آنجلو، والصورة البارعة التي رسمها رفائيل . "

فهل يمكن تصور امتناع الانسان على الوصول للحقائق او تكون الأفعال البشرية خالية من القيود فنحيي فكرة شريعة الغاب ؟
هل يمكن ان نقبل اعمال فنية تمجد الطغاة والعنصرية او يذكر فيها اسمك الكامل مرتبطأ بكل صفات الانحطاط والفحش ؟


# ماهية الفن ومسائله :

الفن : عملية تعبيرية تمارس ابراز الجمال للتأثير على المشاعر الإنسانية بالمقام الأول ,  ويمكن النظر الى ان فن سينما كيف تفوق عن باقي الفنون وذلك من خلال قدرته العالية على التأثير , وبما ان المشاعر لا تتأثر بالمعتاد النمطي , كانت الفنون تتطور تعبيريا وفقا لمعطيات الزمان والمكان , فالتعبير المؤثر هو شكل من اشكال السلوك اذن البحث في القضايا السلوكية متقدم مرتبةً عن البحث في جودة التعبير لذلك وجب البحث عن قانون للسلوك قبل البحث عن جودة التعبير من رداءته


 #  السلوك حتى يكون كاملا يجب ان يتطابق مع الغاية العليا للانسان :


الانسان ينشد بكل تصرفاته غاية ما ( مثل قراءتك للمقالة بغاية الوصول للمعلومة )
وهذا الانسان الذي يمتاز بأنه صاحب غاية له ثلاثة خصائص جوهرية : العقل + المشاعر + الجسد

ولكل هذه الخصائص كمال تحتمه طبيعته ، فمثلا كمال التجارة الربح وكمال الصلاة الخشوع

فما كمال الخصائص الانسانية الثلاث ؟ : - 
1 - العقل فكماله بادراك الحقيقة
2 - المشاعر كمالها بالانسجام مع الحقيقة فيتحقق السلوك الخيّر
3 -  الجسد فكماله بالصحة



ومادام الانسان له كمالات وينشد في كل حركاته غاية ما
وبما ان غاية الانسان ان يتكامل
وبما ان العقل يرجح الاكمل على الاقل كمالا
فوجب ان تكون الغاية الانسانية هي الكمال الاشد والاكثر حسب اختلاف الموارد


البعض يرى بأن الكمال باللذة , لكنه يناقض ظنه فيتنازل عن لذته لتناول دواء مر اذا استلزم ذلك الحفاظ على صحته !
والبعض يرى بأن الكمال بالمشاعر , لكنه يناقض ظنه و يكتم غيضه من رجل يكرهه لاجل ان لا يتحاسب قانونيا !
والبعض يرى بأن الكمال مرتبط بالأنانية , لكنه يناقض ظنه و يتألم لسماع مآسي الاخرين !
والبعض يرى بأن الكمال مجرد وهم لاختلاف البشر في تشخيصه ! لكنه يناقض ظنه فيذم الفعل الفلاني ويمدح الاخر ولعله يجتهد في نصيحة من يراهم على غفلة او خطأ !

فكيف نعصم العقل من سوء التشخيص وندرك الغاية الانسانية فنقيس عليها السلوك ثم نقيس عليها حدود الفن ؟
وكيف نروض المشاعر على طاعة ما وصل اليه العقل ؟

#  
عصمة العقل من الخطأ :


يمتاز العقل بالادراك ، والادراك اما  تلقائي لا يحتاج الى دليل , اووغير تلقائي يحتاج الى دليل , وغير التلقائي ينقسم من خلال "النشأة" الى نوعين :-
الاول : يكون الحكم فيه تابعا لطبيعة العلاقة بين الحكم والمحكوم عليه
الثاني : يكون الحكم فيه تابعا لطبيعة صاحب الحكم الشخصية

فالأول مثل القضايا التي يصطلح عليها بالمنطق بالأوليات : كامتناع النقيضين والعلية و 1+1 = 2 والحسيات والوجدانيات والتجريبيات ( بمعناها المنطقي )

والثاني يكون تلقائيا لدى صاحب الحكم لعوامل اثرت فيه , فتارةً هو يعتقد بقضايا بسبب خياله ( الوهميات ) او بسبب علاقته بمن يثق  (المقبولات ) او بسبب علاقته بالمجتمع ( المشهورات ) او بسبب تجاربه الشخصية ( الانفعاليات )

فالكثير يؤمن بدين ما بسبب مجتمعه او بسبب من يثق فيهم كوالديه وهي عوامل تدخل قهرا في تكوين المعرفي للانسان , لكنه يستطيع التمييز في مصادره المعرفية حين يلتفت لمنشأها , فلا يسقط بظلمات الزيف


فيجب على العقل لادراك الحقيقة استخدام المبادئ الصالحة مع مراعاة العلاقة بين هذه المبادئ حتى يصل الى الاستنتاج السليم وتفصيل ذلك بعلم المنطق

#
 ترويض المشاعر وملكة العدالة :

بعدما يدرك الانسان بأن الكمال يعرف بالعقل لا باللذة او بالانفعالات والمخيلات والمشهورات وبمن يثق بهم

قد يلاحظ بأنه لا يتفاعل مع عقله بالنحو المطلوب وذلك ان مشاعره اعتادت على الانفعال بهيئة شديدة او ضعيفة نظرا للمعاني التي استحكمت فيه لعوامل تربوية و شخصية ، كاقتناع الغضوب بأن صفاته تنجز اعماله سريعا ، و كاقتناع الجبان بأن صفاته تنجيه من المهلكات

فلا يجب ان تكون المشاعر متأججة دوما لمعنا ما ، فيصعب على العقل اخمادها ، او تكون منطفئة دوما لمعناً ما، فيصعب على العقل تحريكها

بل يجب ان تكون متوسطة بلا افراط او تفريط حتى اذا حكم العقل بأن الكمال الفلاني هو الارجح والاكمل , انبثقت الارادة  بسهولة والمشاعر بانسيابية وهذا هو المقصود بملكة العدالة

والطريق لترسيخ هذه الملكة يكون من خلال تكرار استحضار هذا المعنى" تفصيليا " حتى يستحكم بالمشاعر وهذا هو جوهر العملية التربوية فتلتقي مع وظيفة اساسية للفن , الذي بدوره يبث المعاني بأساليب تستهدف المشاعر لتحركها  نحو التكامل الانساني

 # 
الخلاصة :

ان العمل الفني الذي يجمع اكثر الكمالات من جانب المضمون والتعبير بشكل منسجم هو الفن المطلوب

والعمل الذي يخل بكمال من كمالاتنا هو الفن الذي ينبغي تركه







[1]  - على قناة روسيا اليوم : أكثر من 30 ألف قتيل سنويا بحوادث #إطلاق_نار بـ #الولايات_المتحدة و #أوباما  يعد بإجراءات
[2]  - عقل يعمل بذاته – كورديليا فاين ص 179  : عرض على مجموعتين من الرجال شريط فيديو لاعلانات تلفزيونية , شاهدت احدى مجموعتي الرجال اعلانات غالبيتها متحيز ضد المرأة , تصور النساء على انهن مجرد سلع اما الرجال الاخرون فقد شاهدوا اعلانات خالية من اي صورة مغرية .. فطلب المختبر من الرجال ان يجروا مقابلة مع مرشحة لوظيفة , كمعروف يؤدونه .. فقد جلس الرجال الذين شاهدوا لتوهم نساء على انهن سلع .. , على مسافة اقرب .. ولاطفوها اكثر  ووجوها اليها عددا اكبر من الاسئلة الغير لائقة مقارنة بالرجال الاخرين
[3]  - http://www.independent.co.uk/news/world/europe/sweden-and-denmark-have-highest-number-of-sexual-assaults-in-europe-a6800901.html
3 - من تقرير المخدرات الالمي 2015 التابع للأمم المتحدة : وتشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 246 مليون شخص - ما يزيد قليلا على الخمسة في المائة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 - 64 عاما على مستوى العالم - تعاطوا المخدرات غير المشروعة عام 2013
[5]  - " ويؤكد – امرتو ايكو – ان كون التأويل لا متناهياً معناه أن كل الافكار صحيحة حتى لو تناقضت .. وكل الاحالات ممكنة حتى لو ادت الى انتاج مدلولات عبثية وهذا امر يتناقض مع المبادئ المؤسسة للعقلانية الغربية وقد يؤدي الى تدميرها . امبرتو ايكو والظاهرة الجمالية  ص 247  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق