الأربعاء، 7 مايو 2014

باص الحملة ..



جلس عند صاحبه , واحكم وثاق معطفه .. تحركت الحافلة وايقاع الصلوات يتلاشى .. رصيف رصيف رصيف و ظلمة هذا كل ما كان يظهر من النافذة بالاضافة إلى اشباح ملونة تنعكس على الزجاج من خلال وميض الهواتف وبريق اضاءات السيارات

قال لصاحبه : نسيت كل حاجاتي فقط توسلت بالإمام ان اتزوجها ..

- : بهذه السرعة ؟
- : نعم ثم استغفرت الله كثيرا .. استغفرته لاني رغبت في غيرها ! - : هه ! عجيب
- : الاعجب هذا الشوق والخوف , سأدلك قدميها لأنها كانت تركض كل ليلة في احلامي بعد ذلك اغرقها في ذاتي كي استحوذ عليها

اراد ان يكمل لصحابه بأنه يخاف الغروب .. لكنه - اي صاحبه - اسند رأسه خاشعا كي ينام

التفت حتى يلمح من احبها فتقاطعت انظاره بزوار نصفهم نعاس والآخر حلم , لن يلتقي بأغلبهم الا في انعكاس اخر لكربلاء : اي في الجنة 

رأى بو محمد الذي يقضي ما تبقى من حياته في الزيارات
رأى خالد  الهادئ كشجرة زينة
رأى بوهادي كصفيح ألمونيوم !
رأى مستبصرا جاء كي يشكر الله
ولم ينتبه لملامح البقية فالأظلة متشابكة , كان وجودهم يمد يده للسماء والأرواح عليها كقطرات ندى , يستطيع السائق سحقها بمكابح طائشة ..

لم تسعفه رقبته اكثر , يبدو ان زهرة عباد الشمس لا تتجواز الشمس . الشمس متورطة الان بالغيوم , والريح في اجازة ليست بالقصيرة

فكر بحيلة اخرى كي يسيطر على الموقف توزيع الماء لا ينفع في هذا الوقت
اباغت امها : " اريد ابنتكِ زوجةً لي !
يبحث عنها في برامج التواصل الاجتماعي - لا اعرف الا اسمها الاول : مريم
احمل لهم حقائبهم عند الوصول - المكان ضيق , والاضيق وخز اعين الزوار

وحتى لا تشطره افكاره , ارخى رأسى باتجاه  جهازه اللوحي الابيض الذي كان قريبا من قلبه , وصار يقلب كل مافيه من كتب , وقصاصات , وقرأ :

" القضية الرابعة
ان المعرفة لا تبتدئ بادراكات او بملاحظات او بجمع معطيات او احداث , لكنها تبدأ بمشاكل , فلا معرفة دون مشكلات , لكن ايضا لا مشكلة دون معرفة . وهذا يعني ان المعرفة تبتدئ بالتوتر بين المعرفة واللامعرفة : فلا مشكلة دون معرفة - لا معرفة دون مشكلة , اذ ان كل مشكل ينبثق عندما نكتشف تناقضا داخليا بين معرفتنا المفترضة والوقائع , معبر عنه بطريقة ربما كانت صحيحة , او باكتشاف تناقض ظاهر بين معرفتنا و الاحداث المفترضة " [  كارل بوبر ]



" لقد كان العلم في بدايته راجعا الى الرجال الذين احبوا العلم . كانوا يسرحون ابصارهم في جمال النجوم والبحر , والريح والجبل . وكان من اثر حبهم اياها ان علقت افكارهم , فرغبوا في فهمها فهما ادق مما يتحيه مجرد التأمل الخارجي . يقول هيرقليط " ان العالم نار لا تخمد جذوتها ويزداد وهجها بمقدار , ويخفت بمقدار " فهرقليط وغيره من الفلاسفة الايونيين الذين منهم اتت الشرارة الاولى للمعرفة العلمية , قد شعروا بالجمال العجيب للعالم شعورا اشبه بالجنون سرى في دمائهم , لقد كانوا رجالا ذوي عقل عاطفي جبار , ومن قوة عاطفتهم العقلية نتجت حركة العالم الحديث كلها . بيد انه اثناء نمو العلم , اخذ باعث الحب الذي منه نشأ , يقاوم مقاومة تزداد شدتها مع الايام , بينما باعث السيطرة , ولم يكن من قبل غير تابع قليل الخطر , قد اخذ يغتصب منه مكان القيادة , على اساس نجاحه غير المنتظر . وهكذا فهو عاشق الطبيعة , وانتصر الطاغية الذي سيطر على الطبيعة  , وكلما تقدم علم الطبيعة اخذ يجردنا تدريجيا مما كنا نحسب اننا نعرفه عن الكنه العميق للعالم المادي , فاللون و الصوت والنور والظل و الصورة والتركيب لم تعد تنتمي الى هذه الطبيعة الخارجية التي اتخذها الايونيون معبودتهم الساحرة , كل هذه الاشياء قد صارت مللكا للحب ( الانسان ) , بعد ان كانت ملكا للمحبوب ( الطبيعة )  , فصارت الطبيعة هيكلاً من العظام المقعقعة , باردة مخيفة  , ولكن لعلها مجرد وهم من الاوهام .

اما وقد خاب امل رجل العلم في ان يكون عاشقا للطبيعة , فقد انقلب عليها طاغية جبارا , وجعل الرجل العلمي يقول : ماذا يهم ان العالم الخارجي موجود فعلا او انه مجرد حلم , ما دمت استطيع ان احمله على السلوك الذي اشاء ؟ وهكذا احل العلم شيئا فشيئا معرفة السيطرة , محل معرفة الحب .." [ برتراند رسل ]


ولم يفهم شيء من هذا الكلام غير السخف والزخرف فأن طائر التركيز يتأرجح بين الاغصان , غصن من فكر وغصن من قلب وكلاهما يبحثان عن مأوى اكبر من العش يسمى السكينة

ختمت الجوزات , حملت الحقائب , تلاشت الحدود العراقية , كي يبزغ احد اهم اكاذيب البشرية : الوطن , هرع عاشقنا كي يجد حلأ , سحب الجرأة اليه حتى يقول لوالدتها انه يريد خطبة ابنتها لكنه بين الخجل والخشية والناس والسرعة , ووعكة اجرائية عند ختم جوازه , رأى الحافلة تتفكك عند البشر , هناك خيوط يخلفها  الزوار من سحب حقائبهم , وتلويح وترحيب وصدى : هلا بالزاير ...
 
"مريم اين هي " هكذا جاءت النبضة , فاختل تدفق الدم عنده بينما صوت صغير في داخله  يقول له : بلادك صغيرةٌ ستجدها ! لكن دبيب القلق يتحول لصراخ حرملة وابن زياد ..

ابرق وجه الكادر في عينيه لاول مرة , فاندفع عليه كي يقتبس منه نوراً : عفوا اين ام مريم ؟! .. سؤاله عن الام محاولة لاجهاض اي ريبة ستخترق حوله 

الكادر بشيء من المودة : ام مريم ؟!
- مريم التي كانت هناك بجانب الستارة الممزقة نعم تلك وبجانبها امرأة مسنة  "

الكادر بعد لحظتين من التأمل : - : من المؤكد انها مع ام يوسف
نظر صحابنا للكادر وكأنه يريد ان يسأل من هي ام يوسف ؟
فهز الكادر رأسه : نعم مريم هي ام يوسف , قبل قليل ركبوا مع بو يوسف كانوا هناك بجانب السيارات ...

مريم رحلت . وظل صاحبنا تهائا بين خوفه من الغروب وشماتة النخيل , يقُد قميص الايام من دبرٍ كلما اختلسته الذكريات , اراد ان يسيطر على فيضان روحه لكنه صعق بالجفاف وامتدت فيه الصحراء طويلا

انتهى

المواد القديمة :
http://m7mdi.blogspot.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق